#كوميديا_سوداء (15)
كانون النار
يقولون إن أيلول (سبتمبر) ذنبه مبلول، وقد خبرت ذلك كثيرا عندما كنا نشهد أول نزول للأمطار في نهاية أيلول. ويبقى الجو معتدلا على الرغم من الأمطار المتفرقة بعد ذلك إلى أن تدخل الكوانين وهي كانون أول (ديسمبر) وكانون ثاني (يناير) فيصبح موقد (كانون) النار لازمة أساسية لكل بيت. ويبدو أن هناك علاقة بين تسمية الموقد بكانون وشهري كانون الأول والثاني. ويبدأ الناس بشراء الفحم والفحم الناعم (الدق) وتخزينه في تشرين الثاني. أما المصدر الدائم لتعبئة الكانون فكان الفرن القريب عند نهاية يوم عمله. ثم تغذى النار بالفحم والدق حتى وقت النوم.
تجتمع العائلة حول الكانون كأنهم يجتمعون على مائدة. وتدور حكايات الشتاء وأكثرها إثارة ما تعلق منها بالجن والأرواح والغولة والشاطر حسن. ثم حكايات أيام البلاد بدءا" من رديف اليمن إلى جمال البلاد ومواسمها وصولا إلى الهجرة اللعينة. وكنا نتسمر مستمعين مستوعبين مشدوهين وأكثر ما يعكر صفونا أن يطلب منا ما يبعدنا عن الحلقة كالمناولة أو الدراسة أو الخروج لأداء عمل ما. ومع أن النار بحد ذاتها فاكهة الشتاء فقد كانوا لا يكتفون بذلك. فيغرز إبريق الشاي أو القهوة بين الجمر في الكانون و يجري شواء حبات الكستناء أو البلوط مما لذ وطاب ولم يختلف عليه اثنان في العائلة. ويوضع كوز الماء على النار مع نهاية السهرة لتدفئة الماء للوضوء أو التشطيف في بيت الخارج.
كان العمل بالفحم وخاصة نقله وتخزينه من اشق الأعمال أو هكذا يبدوا على الفحامين بسحنهم وملابسهم الملطخة بالسواد من الفحم. إلا أنني رأيت هؤلاء العمال باشة وجوههم فرحين لوجود فرصة العمل. و ما زلت اذكر احدهم مستندا الى الجدار وسط النهاروقد اكل ما تيسر له من طعام و لف سيجارة و ارتفعت عقيرته بالغناء "يا دي النعيم اللي احنا فيه يا قلبي ...". مثلهم مثل العاملين بنضح الحفر الامتصاصية. يدعون الله عند خروجهم من منازلهم في الصباح الباكر بان يفتح الله عليهم. وأقصى أملهم فتح حفرة اوساخ ينضحونها.
كانون النار
يقولون إن أيلول (سبتمبر) ذنبه مبلول، وقد خبرت ذلك كثيرا عندما كنا نشهد أول نزول للأمطار في نهاية أيلول. ويبقى الجو معتدلا على الرغم من الأمطار المتفرقة بعد ذلك إلى أن تدخل الكوانين وهي كانون أول (ديسمبر) وكانون ثاني (يناير) فيصبح موقد (كانون) النار لازمة أساسية لكل بيت. ويبدو أن هناك علاقة بين تسمية الموقد بكانون وشهري كانون الأول والثاني. ويبدأ الناس بشراء الفحم والفحم الناعم (الدق) وتخزينه في تشرين الثاني. أما المصدر الدائم لتعبئة الكانون فكان الفرن القريب عند نهاية يوم عمله. ثم تغذى النار بالفحم والدق حتى وقت النوم.
تجتمع العائلة حول الكانون كأنهم يجتمعون على مائدة. وتدور حكايات الشتاء وأكثرها إثارة ما تعلق منها بالجن والأرواح والغولة والشاطر حسن. ثم حكايات أيام البلاد بدءا" من رديف اليمن إلى جمال البلاد ومواسمها وصولا إلى الهجرة اللعينة. وكنا نتسمر مستمعين مستوعبين مشدوهين وأكثر ما يعكر صفونا أن يطلب منا ما يبعدنا عن الحلقة كالمناولة أو الدراسة أو الخروج لأداء عمل ما. ومع أن النار بحد ذاتها فاكهة الشتاء فقد كانوا لا يكتفون بذلك. فيغرز إبريق الشاي أو القهوة بين الجمر في الكانون و يجري شواء حبات الكستناء أو البلوط مما لذ وطاب ولم يختلف عليه اثنان في العائلة. ويوضع كوز الماء على النار مع نهاية السهرة لتدفئة الماء للوضوء أو التشطيف في بيت الخارج.
كان العمل بالفحم وخاصة نقله وتخزينه من اشق الأعمال أو هكذا يبدوا على الفحامين بسحنهم وملابسهم الملطخة بالسواد من الفحم. إلا أنني رأيت هؤلاء العمال باشة وجوههم فرحين لوجود فرصة العمل. و ما زلت اذكر احدهم مستندا الى الجدار وسط النهاروقد اكل ما تيسر له من طعام و لف سيجارة و ارتفعت عقيرته بالغناء "يا دي النعيم اللي احنا فيه يا قلبي ...". مثلهم مثل العاملين بنضح الحفر الامتصاصية. يدعون الله عند خروجهم من منازلهم في الصباح الباكر بان يفتح الله عليهم. وأقصى أملهم فتح حفرة اوساخ ينضحونها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق